فصل: باب وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ

صباحاً 9 :5
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا

الْمُخْتَالُ وَالْخَتَّالُ وَاحِدٌ نَطْمِسَ وُجُوهًا نُسَوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ طَمَسَ الْكِتَابَ مَحَاهُ جَهَنَّمَ سَعِيرًا وُقُودًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا‏)‏ وقع في الباب تفاسير لا تتعلق بالآية، وقد قدمت الاعتذار عن ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المختال والختال واحد‏)‏ كذا للأكثر بمثناة فوقانية ثقيلة‏.‏

وفي رواية الأصيلي ‏"‏ المختال والخال واحد ‏"‏ وصوبه ابن مالك، وكذلك هو في كلام أبي عبيدة، قال في قوله تعالى ‏(‏مختالا فخورا‏)‏ ‏:‏ المختال ذو الخيلاء والخال واحد‏.‏

قال‏:‏ ويجئ مصدرا قال العجاج ‏"‏ والخال ثوب من ثياب الجبال‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ والخال يطلق لمعان كثيرة نظمها بعضهم في قصيدة فبلغ نحوا من العشرين، ويقال إنه وجدت قصيدة، تزيد على ذلك عشرين أخرى، وكلام عياض يقتضي أن الذي في رواية الأكثر بالمثناة التحتانية لا‏.‏

الفوقانية ولهذا قال كله صحيح، لكنه أورده في الخاء والتاء الفوقانية، والختال بمثناة فوقانية لا معنى له هنا كما قال ابن مالك وإنما هو فعال من الختل وهو العذر، ولأن عينه ياء تحتانية لا فوقانية، والاسم الخلاء، والمعنى أنه يختل في صورة من هو أعظم منه على سبيل التكبير والتعاظم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نطمس وجوها نسويها حتى تعود كأقفائهم، طمس الكتاب محاه‏)‏ هو مختصر من كلام أبي عبيدة، قال في قوله تعالى ‏(‏من قبل أن نطمس وجوها‏)‏ أي نسويها حتى تعود كأقفائهم، يقال للريح طمست الآثار أي محتها، وطمس الكتاب أي محاه‏.‏

وأسند الطبري عن قتادة‏:‏ المراد أن تعود الأوجه في الأقفية‏.‏

وقيل هو تمثيل وليس المراد حقيقته حسا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بجهنم سعيرا وقودا‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا، قال في قوله تعالى ‏(‏وكفى بجهنم سعيرا‏)‏ أي وقودا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك مثله‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هذه التفاسير ليست لهذه الآية، وكأنه من النساخ كما نبهت عليه غير مرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ يَحْيَى بَعْضُ الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ عَلَيَّ قُلْتُ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا قَالَ أَمْسِكْ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا صدقة‏)‏ هو ابن الفضل، ويحيى هو القطان، وسفيان هو الثوري، وسليمان هو الأعمش، وإبراهيم هو النخعي، وعبيدة بفتح أوله هو ابن عمرو، وعبد الله بن مسعود‏.‏

والإسناد كله سوى شيخ البخاري وشيخه كوفيون، فيه ثلاثة من التابعين في نسق أولهم الأعمش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال يحيى‏)‏ هو القطان، وهو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعض الحديث عن عمرو بن مرة‏)‏ أي من رواية الأعمش عن عمرو بن مرة عن إبراهيم، وقد ورد ذلك واضحا في فضائل القرآن حيث أخرجه المصنف عن مسدد عن يحيى القطان بالإسناد المذكور وقال بعده ‏"‏ قال الأعمش وبعض الحديث حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم ‏"‏ يعني بإسناده، ويأتي شرح الحديث هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ إسناد عمرو مقطوع، وبعض الحديث مجهول‏.‏

قلت‏:‏ عبر عن المقتطع بالمقطوع لقلة اكتراثه بمراعاة الاصطلاح، وأما قوله مجهول فيزيد ما حدثه به عمرو بن مرة فكأنه ظن أنه أراد أن البعض عن هذا والبعض عن هذا، وليس كذلك وإنما هو عنده كله في الرواية الآتية، وبعضه في أثنائه أيضا

*3*باب قَوْلِهِ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ

أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ صَعِيدًا وَجْهَ الْأَرْضِ وَقَالَ جَابِرٌ كَانَتْ الطَّوَاغِيتُ الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ وَقَالَ عُمَرُ الْجِبْتُ السِّحْرُ وَالطَّاغُوتُ الشَّيْطَانُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ شَيْطَانٌ وَالطَّاغُوتُ الْكَاهِنُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط‏)‏ هذا القدر مشترك في آيتي النساء والمائدة، وإيراد المصنف له في تفسير سورة النساء يشعر بأن آية النساء نزلت في قصة عائشة، وقد سبق ما فيه في كتاب التيمم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صعيدا وجه الأرض‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏فتيمموا صعيدا طيبا‏)‏ ‏:‏ تيمموا أي تعمدوا‏.‏

قال والصعيد وجه الأرض‏.‏

قال الزجاج‏:‏ لا أعلم خلافا بين أهل اللغة أن الصعيد وجه الأرض، سواء كان عليها تراب أم لا، ومنه قوله تعالى ‏(‏صعيدا جرزا‏)‏ و ‏(‏صعيدا زلقا‏)‏ وإنما سمي صعيدا لأنه نهاية ما يصعد من الأرض‏.‏

وقال الطبري بعد أن روى من طريق قتادة قال‏:‏ الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات‏.‏

ومن طريق عمرو بن قيس قال‏:‏ الصعيد التراب‏.‏

ومن طريق ابن زيد قال‏:‏ الصعيد الأرض المستوية‏.‏

الصواب أن الصعيد وجه الأرض المستوية الخالية من الغرس والنبات والبناء، وأما الطيب فهو الذي تمسك به من اشترط في التيمم التراب، لأن الطيب هو التراب المنبت، قال الله تعالى ‏(‏والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه‏)‏ وروى عبد الرزاق من طريق ابن عباس‏:‏ الصعيد الطيب الحرث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال جابر‏:‏ كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد، كهان ينزل عليهم الشيطان‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه قال‏:‏ سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت فذكر مثله وزاد ‏"‏ وفي هلال واحد ‏"‏ وقد تقدم نسب جهينة وأسلم في غزوة الفتح، وأما هلال فقبيلة ينتسبون إلى هلال بن عامر بن صعصعة، منهم ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وجماعة من الصحابة وغيرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الجبت السحر والطاغوت الشيطان‏)‏ وصله عبد بن حميد في تفسيره ومسدد في مسنده وعبد الرحمن بن رستة في كتاب الإيمان كلهم من طريق أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر مثله وإسناده قوي، وقد وقع التصريح بسماع أبي إسحاق له من حسان وسماع حسان من عمر في رواية رستة وحسان بن فائد بالفاء عبسا بالموحدة، قال أبو حاتم شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏

وروى الطبري عن مجاهد مثل قول عمر وزاد‏:‏ والطاغوت الشيطان له صورة إنسان يتحاكمون إليه، ومن طريق سعيد بن جبير وأبي العالية قال‏:‏ الجبت الساحر، والطاغوت الكاهن‏.‏

وهذا يمكن رده بالتأويل إلى الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عكرمة‏:‏ الجبت بلسان الحبشة شيطان، والطاغوت الكاهن‏)‏ وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عنه، وروى الطبري من طريق قتادة مثله بغير ذكر الحبشة قال‏:‏ كنا نتحدث أن الجبت الشيطان، والطاغوت الكاهن‏.‏

ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال‏:‏ الجبت الأصنام، والطواغيت الذين كانوا يعبرون عن الأصنام بالكذب‏.‏

قال‏:‏ وزعم‏.‏

رجال أن الجبت الكاهن، والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف‏.‏

ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ الجبت حيي بن أخطب، والطاغوت كعب بن الأشرف‏.‏

واختار الطبري أن المراد بالجبت والطاغوت جنس من كان يعبد من دون الله سواء كان صنما أو شيطانا جنيا أو آدميا، فيدخل فيه الساحر والكاهن، والله أعلم‏.‏

وأما قول عكرمة إن الجبت بلسان الحبشة الشيطان فقد وافقه سعيد بن جبير على ذلك، لكن عبر عنه بالساحر، أخرجه الطبري بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال‏:‏ الجبت الساحر بلسان الحبشة، والطاغوت الكاهن‏.‏

وهذا مصير منهما إلى وقوع المعرب في القرآن، وهي مسألة اختلف فيها، فبالغ الشافعي وأبو عبيدة اللغوي وغيرهما في إنكار ذلك، فحملوا ما ورد من ذلك على توارد اللغتين، وأجاز ذلك جماعة واختاره ابن الحاجب واحتج له بوقوع أسماء الأعلام فيه كإبراهيم فلا مانع من وقوع أسماء الأجناس، وقد وقع في صحيح البخاري جملة من هذا، وتتبع القاضي تاج الدين السبكي ما وقع في القرآن من ذلك ونظمه في أبيات ذكرها في شرحه على المختصر، وعبر بقوله يجمعها هذه الأبيات فذكرها، وقد تتبعت بعده زيادة كثيرة على ذلك تقرب من عدة ما أورد، ونظمتها أيضا، وليس جميع ما أورده هو متفقا على أنه من ذلك، لكن اكتفى بإيراد ما نقل في الجملة فتبعته في ذلك، وقد رأيت إيراد الجميع للفائدة، فأول بيت منها من نظمي والخمسة التي تليه له وباقيها لي أيضا فقلت‏:‏ من المعرب عد التاج ‏(‏كز‏)‏ وقد ألحقت ‏(‏كد‏)‏ وضمتها الأساطير السلسبيل وطه كورت بيع روم وطوبي وسجيل وكافور والزنجيل ومشكاة سرادق مع استبرق صلوات سندس طور كذا قراطيس ربانيهم وعشاق ثم دينار القسطاس مشهور كذاك كسورة واليم ناشئة ويؤت كفلين مذكور ومستور له مقاليد فردوس يعد كذا فيما حكى ابن دريد منه تنور وزدت حرم ومهل والسجل كذا السرى والأب ثم الجبت مذكور وقطنا بناه ثم متكأ دارست يصهر منه فهو مصهور وهيت والسكر الأواه مع حصب وأوبي معه والطاغوت منظور صرهن أصرى وغيض الماء مع وزر ثم الرقيم مناص والسنا النور والمراد بقولي ‏(‏كز‏)‏ أن عدة ما ذكره التاج سبعة وعشرون وبقولي ‏(‏كد‏)‏ أن عدة ما ذكرته أربعة وعشرون وأنا معترف أنني لم أستوعب ما يستدرك عليه، فقد ظفرت بعد نظمي هذا بأشياء تقدم منها في هذا الشرح الرحمن وراعنا، وقد عزمت أني إذا أتيت على آخر شرح هذا التفسير إن شاء الله تعالى ألحق ما وقفت عليه من زيادة في ذلك منظوما إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهَا رِجَالًا فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَعْنِي آيَةَ التَّيَمُّمِ

الشرح‏:‏

ثم أورد المصنف طرفا من حديث عائشة في سقوط عقدها ونزول آية التيمم، وقد مضى شرحه مستوفي في كتاب التيمم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ذَوِي الْأَمْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ذوي الأمر‏)‏ كذا لأبي ذر ولغيره ‏"‏ أولي الأمر منكم ذوي الأمر ‏"‏ وهو تفسير أبي عبيدة قال ذلك في هذه الآية وزاد‏:‏ والدليل على ذلك أن واحدها ذو أي واحد أولى لأنها لا واحد لها من لفظها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا صدقة بن الفضل‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية ابن السكن وحده عن الفربري عن البخاري ‏"‏ حدثنا سنيد ‏"‏ وهو ابن داود المصيصي واسمه الحسين وسنيد لقب، وهو من حفاظ الحديث وله تفسير مشهور، لكن ضعفه أبو حاتم والنسائي، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع إن كان ابن السكن حفظه، ويحتمل أن يكون البخاري أخرج الحديث عنهما جميعا، واقتصر الأكثر على صدقة لإتقانه، واقتصر ابن السكن على سنيد بقرينة التفسير، وقد ذكر أحمد أن سنيدا ألزم حجاجا - يعني حجاج بن محمد شيخه في هذا الحديث إلا أنه كان يحمله على تدليس التسوية، وعابه بذلك وكأن هذا هو السبب في تضعيف من ضعفه‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يعلى بن مسلم‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق حجاج عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني يعلى بن مسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزلت في عبد الله بن حذافة‏)‏ كذا ذكره مختصرا، والمعنى نزلت في قصة عبد الله بن حذافة أي المقصود منها في قصته قوله‏:‏ ‏(‏فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله‏)‏ الآية، وقد غفل الداودي عن هذا المراد فقال‏:‏ هذا وهم على بن عباس، فإن عبد الله بن حذافة خرج على جيش فغضب فأوقدوا نارا وقال اقتحموها فامتنع بعض، وهم بعض أن يفعل‏.‏

قال‏:‏ فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره، وإن كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم إنما الطاعة في المعروف، وما قيل لهم لم لم تطيعوا‏؟‏ انتهى‏.‏

وبالحمل الذي قدمته يظهر المراد، وينتفي الإشكال الذي أبداه، لأنهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به، وسببه أن الذين هموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة، والذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من النار، فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى الله وإلى رسوله، أي إن تنازعتم في جواز الشيء وعدم جوازه فارجعوا إلى الكتاب والسنة، والله أعلم‏.‏

وقد روى الطبري أن هذه الآية في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد وكان خالد أميرا فأجار عمار رجلا بغير أمره فتخاصما فنزلت، فالله أعلم‏.‏

وقد تقدم شرح حال هذه السرية والاختلاف في اسم أميرها في المغازي بعد غزوة حنين بقليل‏.‏

واختلف في المراد بأولى الأمر في الآية، فعن أبي هريرة قال‏:‏ هم الأمراء أخرجه الطبري بإسناد صحيح‏.‏

وأخرج عن ميمون بن مهران وغيره نحوه، وعن جابر بن عبد الله قال‏:‏ هم أهل العلم والخير، وعن مجاهد وعطاء والحسن وأبي العالية‏:‏ هم العلماء، ومن وجه آخر أصح منه عن مجاهد قال‏:‏ هم الصحابة، وهذا أخص‏.‏

وعن عكرمة قال‏:‏ أبو بكر وعمر، وهذا أخص من الذي قبله، ورجح الشافعي الأول واحتج له بأن قريشا كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير، فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من أطاع أميري فقد أطاعني ‏"‏ متفق عليه‏.‏

واختار الطبري حملها على العموم وإن نزلت في سبب خاص، والله أعلم‏.‏

*3*باب فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‏)‏ سقط ‏(‏باب‏)‏ لغير أبي ذر وذكر فيه قصة الزبير مع الأنصاري الذي خاصمه في شراج الحرة، وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب الشرب، بينت هناك الاختلاف على عروة في وصله وإرساله بحمد الله تعالى‏.‏

وقوله هنا ‏"‏ أن كان ابن عمتك ‏"‏ بفتح أن للجميع أي من أجل، ووقع عند أبي ذر ‏"‏ وأن ‏"‏ بزيادة واو، وفي روايته عن الكشميهني ‏"‏ آن ‏"‏ بزيادة همزة ممدودة وهي الاستفهام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فِي شَرِيجٍ مِنْ الْحَرَّةِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ وَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الْأَنْصَارِيُّ كَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمَا بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ قَالَ الزُّبَيْرُ فَمَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَّا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‏)‏ سقط ‏(‏باب‏)‏ لغير أبي ذر وذكر فيه قصة الزبير مع الأنصاري الذي خاصمه في شراج الحرة، وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب الشرب، بينت هناك الاختلاف على عروة في وصله وإرساله بحمد الله تعالى‏.‏

وقوله هنا ‏"‏ أن كان ابن عمتك ‏"‏ بفتح أن للجميع أي من أجل، ووقع عند أبي ذر ‏"‏ وأن ‏"‏ بزيادة واو، وفي روايته عن الكشميهني ‏"‏ آن ‏"‏ بزيادة همزة ممدودة وهي الاستفهام‏.‏

*3*باب فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة، وقد تقدم شرحه في الوفاة النبوية ولله الحمد‏.‏

وقوله ‏"‏في شكواه الذي قبض فيه، في رواية الكشميهني ‏"‏ التي قبض فيها‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة، وقد تقدم شرحه في الوفاة النبوية ولله الحمد‏.‏

وقوله ‏"‏في شكواه الذي قبض فيه، في رواية الكشميهني ‏"‏ التي قبض فيها‏"‏‏.‏

*3*باب وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله - إلى - الظالم أهلها‏)‏ ولأبي ذر ‏(‏والمستضعفين من الرجال والنساء‏)‏ الآية، والأظهر أن المستضعفين مجرور بالعطف على اسم الله أي وفي سبيل المستضعفين، أو على سبيل الله أي وفي خلاص المستضعفين، وجوز الزمخشري أن يكون منصوبا على الاختصاص‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن أبي يزيد، وفي مسند أحمد عن سفيان‏.‏

حدثني عبيد الله بن أبي يزيد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت أنا وأمي من المستضعفين‏)‏ كذا للأكثر، زاد أبو ذر ‏"‏ من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ‏"‏ وأراد حكاية الآية، وإلا فهو الولدان وأمه من المستضعفين، ولم يذكر في هذا الحديث من الرجال أحدا، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن موسى عن ابن عيينة بلفظ ‏"‏ كنت أنا وأمي من المستضعفين‏:‏ أنا من الولدان، وأمي من النساء‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَلَا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَصِرَتْ ضَاقَتْ تَلْوُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَاغَمُ الْمُهَاجَرُ رَاغَمْتُ هَاجَرْتُ قَوْمِي مَوْقُوتًا مُوَقَّتًا وَقْتَهُ عَلَيْهِمْ

الشرح‏:‏

قوله في الطريق الأخرى ‏(‏أن ابن عباس تلا‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ عن ابن عباس أنه تلا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت أنا وأمي ممن عذر الله‏)‏ أي في الآية المذكورة‏.‏

وفي رواية لأبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق محمد بن عبيد عن حماد بن زيد ‏"‏ كنت أنا وأمي من المستضعفين ‏"‏ قلت‏:‏ واسم أمه لبابة بنت الحارث الهلالية أم الفضل أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال الداودي‏:‏ فيه دليل لمن قال إن الولد يتبع المسلم من أبويه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن ابن عباس حصرت ضاقت‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏حصرت صدورهم‏)‏ قال‏:‏ ضاقت وعن الحسن أنه قرأ ‏(‏حصرت صدورهم‏)‏ بالرفع حكاه الفراء، وهو على هذا خبر بعد خبر‏.‏

وقال المبرد هو على الدعاء أي أحصر الله صدورهم، كذا قال والأول أولى‏.‏

وقد روى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد أنها نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي، وكان بينه وبين المسلمين عهد، وقصده ناس من قومه فكره أن يقاتل المسلمين وكره أن يقاتل قومه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تلووا ألسنتكم بالشهادة‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏وإن تلووا أو تعرضوا‏)‏ قال‏:‏ تلووا ألسنتكم بشهادة أو تعرضوا عنها‏.‏

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال‏:‏ أن تدخل في شهادتك ما يبطلها أو تعرض عنها فلا تشهدها، وقرأ حمزة وابن عامر ‏"‏ وأن تلوا ‏"‏ بواو واحدة ساكنة، وصوب أبو عبيد قراءة الباقين، واحتج بتفسير ابن عباس المذكور وقال‏:‏ ليس للولاية هنا معنى‏.‏

وأجاب الفراء بأنها بمعنى اللي كقراءة الجماعة، إلا أن الواو المضمومة قلبت همزة ثم سهلت‏.‏

وأجاب الفارسي بأنها على بابها من الولاية والمراد إن توليتم إقامة الشهادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره المراغم المهاجر، راغمت هاجرت قومي‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة‏)‏ والمراغم، المهاجر واحد تقول هاجرت قومي وراغمت قومي، قال الجعدي ‏"‏ عزيز المراغم والمهرب ‏"‏ وروى عبد الرازق عن معمر عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏مراغما‏)‏ قال متحولا، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏موقوتا موقتا وقته عليهم‏)‏ لم يقع هذا في رواية أبي ذر، وهو قول أبو عبيدة أيضا قال في قوله تعالى ‏(‏إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا‏)‏ أي موقتا وقته الله عليهم، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏موقوتا‏)‏ قال مفروضا‏.‏

*3*باب فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَدَّدَهُمْ فِئَةٌ جَمَاعَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا، قال ابن عباس‏:‏ بددهم‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏والله أركسهم بما كسبوا‏)‏ قال‏:‏ بددهم‏.‏

ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ أوقعهم‏.‏

ومن طريق قتادة قال‏:‏ أهلكهم، وهو تفسير باللازم، لأن الركس الرجوع، فكأنه ردهم إلى حكمهم الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فئة جماعة‏)‏ روى الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة‏)‏ قال الأخرى كفار قريش‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة‏)‏ قال‏:‏ الفئة الجماعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ فَرِيقٌ يَقُولُ اقْتُلْهُمْ وَفَرِيقٌ يَقُولُ لَا فَنَزَلَتْ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَقَالَ إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا غندر‏)‏ هو محمد بن جعفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعبد الرحمن‏)‏ هو ابن مهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عدي‏)‏ هو ابن ثابت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن يزيد‏)‏ هو الخطمي بفتح المعجمة ثم سكون المهملة وهو صحابي صغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رجع ناس من أحد‏)‏ هم عبد الله بن أبي بن سلول ومن تبعه، وقد تقدم بيان ذلك في غزوة أحد من كتاب المغازي مستوفي، وقوله في آخره ‏(‏خبث الفضة في رواية الحموي ‏"‏ خبث الحديد ‏"‏ وقد تقدم بيان الاختلاف في قوله ‏"‏ تنفى الخبث ‏"‏ في فضل المدينة‏.‏

*3*باب وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنْ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ

أَيْ أَفْشَوْهُ يَسْتَنْبِطُونَهُ يَسْتَخْرِجُونَهُ حَسِيبًا كَافِيًا إِلَّا إِنَاثًا يَعْنِي الْمَوَاتَ حَجَرًا أَوْ مَدَرًا وَمَا أَشْبَهَهُ مَرِيدًا مُتَمَرِّدًا فَلَيُبَتِّكُنَّ بَتَّكَهُ قَطَّعَهُ قِيلًا وَقَوْلًا وَاحِدٌ طَبَعَ خَتَمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، أي أفشوه‏)‏ وصله ابن المنذر عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏أذاعوا به‏)‏ أي أفشوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يستنبطونه يستخرجونه‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏لعلمه الذين يستنبطونه منهم‏)‏ أي يستخرجونه، يقال للركية إذا استخرج ماؤها هي نبط إذا أماهها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حسيبا كافيا‏)‏ وقع هنا لغير أبي ذر وقد تقدم في الوصايا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا إناثا يعني الموات حجرا أو مدرا أو ما أشبهه‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏إن يدعون من دونه إلا إناثا‏)‏ إلا الموات حجرا أو مدرا أو ما أشبه ذلك، والمراد بالموات ضد الحيوان‏.‏

وقال غيره قيل لها إناث لأنهم سموها مناة واللات والعزى وإساف ونائلة ونحو ذلك‏.‏

وعن الحسن البصري‏:‏ لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمى أنثى بني فلان، وسيأتي في الصافات حكاية عنهم أنهم كانوا يقولون‏:‏ الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك‏.‏

وفي رواية عبد الله بن أحمد في مسند أبيه عن أبي بن كعب في هذه الآية قال ‏"‏ مع كل صنم جنية ‏"‏ ورواته ثقات‏.‏

ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي حاتم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مريدا متمردا‏)‏ وقع هذا للمستملي وحده، وهو تفسير أبي عبيدة بلفظه، وقد تقدم في بدء الخلق، معناه الخروج عن الطاعة‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من طريق قتادة في قوله مريدا قال‏:‏ متمردا على معصية الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليبتكن، بتكه قطعه‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏فليبتكن أذان الأنعام‏)‏ يقال بتكه قطعه‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ كانوا يبتكون آذانها لطواغيتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قيلا وقولا واحد‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏ومن أصدق من الله قيلا‏)‏ وقيلا وقولا واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طبع ختم‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏طبع الله على قلوبهم‏)‏ أي ختم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر في هذا الباب آثارا ولم يذكر فيه حديثا، وقد وقع عند مسلم من حديث عمر في سبب نزولها ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هجر نساءه وشاع أنه طلقهن وأن عمر جاءه فقال‏:‏ أطلقت نساءك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي‏:‏ لم يطلق نساءه، فنزلت هذه الآية، فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر وأصل هذه القصة عند البخاري أيضا، لكن بدون هذه الزيادة فليست على شرطه، فكأنه أشار إليها بهذه الترجمة‏.‏

*3*باب وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم‏)‏ يقال‏:‏ نزلت في مقيس بن صبابة‏.‏

وكان أسلم هو وأخوه هشام، فقتل هشاما رجل من الأنصار غيلة فلم يعرف، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يأمرهم أن يدفعوا إلى مقيس دية أخيه ففعلوا، فأخذ الدية وقتل الرسول ولحق بمكة مرتدا، فنزلت فيه‏.‏

وهو ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح، أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ آيَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏شعبة حدثنا مغيرة بن النعمان‏)‏ لشعبة فيه شيخ آخر وهو منصور كما سيأتي في سورة الفرقان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آية اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ آية ‏"‏ لغير أبي ذر، وسيأتي مزيد فيه في الفرقان، وقع في تفسير الفرقان من طريق غندر عن شعبة بلفظ ‏"‏ اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت فيه إلى ابن عباس ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فرحلت ‏"‏ بالراء والمهملة وهي أصوب، وسيأتي شرح الحديث مستوفي هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله ‏"‏هي آخر ما نزل ‏"‏ أي في شأن قتل المؤمن عمدا بالنسبة لآية الفرقان‏.‏

*3*باب وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا السِّلْمُ وَالسَّلَمُ وَالسَّلَامُ وَاحِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا، السلم والسلام والسلم واحد‏)‏ يعني أن الأول بفتحتين والثالث بكسر ثم سكون، فالأول قراءة نافع وابن عامر وحمزة، والثاني قراءة الباقين، والثالث قراءة رويت عن عاصم بن أبي النجود‏.‏

وروي عن عاصم الجحدري بفتح ثم سكون، فأما الثاني فمن التحية، وأما ما عداه فمن الانقياد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ قَالَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ السَّلَامَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

وفي رواية ابن أبي عمر عن سفيان ‏"‏ حدثنا عمرو بن دينار ‏"‏ كذا أخرجها أبو نعيم في مستخرجه من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان رجل في غنيمة‏)‏ بالتصغير‏.‏

وفي رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس عند أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه ‏"‏ مر رجل من بني سليم بنفر من الصحابة وهو يسوق غنما له فسلم عليهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقتلوه‏)‏ زاد في رواية سماك ‏"‏ وقالوا ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخذوا غنيمته‏)‏ في رواية سماك ‏"‏ وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت ‏"‏ وروى البزار من طريق حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية قصة أخرى قال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كيف لك بلا إله إلا الله غدا‏.‏

وأنزل الله هذه الآية ‏"‏ وهذه القصة يمكن الجمع بينها وبين التي قبلها، ويستفاد منها تسمية القاتل، وأما المقتول فروى الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وأخرجه عبد بن حميد من طريق قتادة نحوه واللفظ للكلبي، أن اسم المقتول مرداس بن نهيك من أهل فدك، وأن اسم القاتل أسامة بن زيد، وأن اسم أمير السرية غالب بن فضالة الليثي، وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي هو وحده وكان ألجأ غنمه بجبل، فلما لحقوه قال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد، فلما رجعوا نزلت الآية ‏"‏ وكذا أخرج الطبري من طريق السدي نحوه، وفي آخر رواية قتادة ‏"‏ لأن تحية المسلمين السلام بها يتعارفون ‏"‏ وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال ‏"‏ أنزلت هذه الآية ‏(‏ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام‏)‏ في مرداس ‏"‏ وهذا شاهد حسن‏.‏

وورد في سبب نزولها عن غير ابن عباس شيء آخر، فروى ابن إسحاق في ‏"‏ المغازي ‏"‏ وأخرجه أحمد من طريقه عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال ‏"‏ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلم بن جثامة، فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم علينا، فحمل عليه محلم فقتله، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل القرآن ‏"‏ فذكر هذه الآية‏.‏

وأخرجها ابن إسحاق من طريق ابن عمر أتم سياقا من هذا وزاد أنه كان بين عامر ومحلم عداوة في الجاهلية، وهذه عندي قصة أخرى، ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معا‏.‏

قوله في آخر الحديث ‏(‏قال قرأ ابن عباس السلام‏)‏ هو مقول عطاء، وهو موصول بالإسناد المذكور، وقد قدمت أنها قراءة الأكثر، وفي الآية دليل على أن من أظهر شيئا من علامات الإسلام لم يحل دمه حتى يختبر أمره، لأن السلام تحية المسلمين، وكانت تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك‏.‏

فكانت هذه علامة‏.‏

وأما على قراءة السلم على اختلاف ضبطه فالمراد به الانقياد وهو علامة الإسلام لأن معنى الإسلام في اللغة الانقياد، ولا يلزم من الذي ذكرته الحكم بإسلام من اقتصر على ذلك وإجراء أحكام المسلمين عليه، بل لا بد من التلفظ بالشهادتين على تفاصيل في ذلك بين أهل الكتاب وغيرهم، والله أعلم‏.‏

*3*باب لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يستوي القاعدون من المؤمنين الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ والمجاهدون في سبيل الله ‏"‏ واختلفت القراءة في ‏"‏ غير أولي الضرر‏)‏ فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بالرفع على البدل من القاعدون، وقرأ الأعمش بالجر على الصفة للمؤمنين، وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُ رَأَى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْلَى عَلَيْهِ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهْوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ أَعْمَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح‏)‏ هو ابن كيسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني سهل بن سعد‏)‏ كذا قال صالح، وتابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن ابن شهاب عند الطبري، وخالفهما معمر فقال ‏"‏ عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت ‏"‏ أخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه رأى مروان بن الحكم‏)‏ أي ابن أبي العاص أمير المدينة الذي صار بعد ذلك خليفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقبلت حتى جلست إلى جنبه‏.‏

فأخبرنا‏)‏ قال الترمذي في هذا الحديث رواية رجل من الصحابة وهو سهل بن سعد عن رجل من التابعين وهو مروان بن الحكم، ولم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من التابعين‏.‏

قلت‏:‏ لا يلزم من عدم السماع عدم الصحة، والأولى ما قال فيه البخاري‏:‏ لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره ابن عبد البر في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل عام أحد وقيل عام الخندق وثبت عن مروان أنه قال لما طلب الخلافة فذكروا له ابن عمر فقال‏:‏ ليس ابن عمر بأفقه مني‏.‏

ولكنه أسن مني وكانت له صحبة‏.‏

فهذا اعتراف منه بعدم صحبته وإنما لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان سماعه منه ممكنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أباه إلى الطائف فلم يرده إلا عثمان لما استخلف، وقد تقدمت روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الشروط مقرونة بالمسور بن مخرمة، ونبهت هناك أيضا على أنها مرسلة، والله الموفق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم أملي عليه‏:‏ لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله‏)‏ في رواية قبيصة المذكورة عن زيد بن ثابت ‏"‏ كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه ‏"‏ إني لقاعد إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم إذ أوحى إليه وغشيته السكينة فوضع فخذه على فخذي قال زيد‏:‏ فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل منها ‏"‏ وفي حديث البراء بن عازب الذي في الباب بعد هذا ‏"‏ لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ادع لي فلانا، فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف ‏"‏ وفي الرواية الأخرى عنه في الباب أيضا ‏"‏ دعا زيدا فكتبها ‏"‏ فيجمع بينهما بأن المراد بقوله ‏"‏ لما نزلت ‏"‏ كادت أن تنزل لتصريح رواية خارجة بأن نزولها كان بحضرة زيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاءه ابن أم مكتوم‏)‏ في رواية قبيصة المذكورة ‏"‏ فجاء عبد الله بن أم مكتوم ‏"‏ وعند الترمذي من طريق الثوري وسليمان التيمي كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء ‏"‏ جاء عمرو بن أم مكتوم ‏"‏ وقد نبه الترمذي على أنه يقال له عبد الله وعمرو، وأن اسم أبيه زائدة وأن أم مكتوم أمه‏.‏

قلت‏:‏ واسمها عاتكة، وقد تقدم شيء من خبره في كتاب الأذان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو يملها‏)‏ بضم أوله وكسر الميم وتشديد اللام هو مثل يمليها، يملى ويملل بمعنى، ولعل الياء منقلبة من إحدى اللامين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والله لو أستطيع الجهاد معك لجاهدت‏)‏ أي لو استطعت، وعبر بالمضارع إشارة إلى الاستمرار واستحضارا لصورة الحال، قال وكان أعمى، هذا يفسر ما في حديث البراء ‏"‏ فشكا ضرارته ‏"‏ وفي الرواية الأخرى عنه ‏"‏ فقال أنا ضرير ‏"‏ وفي رواية خارجة ‏"‏ فقام حين سمعها ابن أم مكتوم وكان أعمى فقال‏:‏ يا رسول الله، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى وأشباه ذلك ‏"‏ وفي رواية قبيصة ‏"‏ فقال إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الزمانة ما ترى، ذهب بصري‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن ترض فخذي‏)‏ أي تدقها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم سرى‏)‏ بضم المهملة وتشديد الراء أي كشف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله‏:‏ غير أولى الضرر‏)‏ في رواية قبيصة ‏"‏ ثم قال اكتب‏:‏ لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ‏"‏ وزاد في رواية خارجة بن زيد ‏"‏ قال زيد بن ثابت‏:‏ فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا فَكَتَبَهَا فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَشَكَا ضَرَارَتَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ

الشرح‏:‏

قوله في الحديث الثاني ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن البراء‏)‏ في رواية محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحاق ‏"‏ أنه سمع البراء ‏"‏ أخرجه أحمد عنه، ووقع في رواية الطبراني من طريق أبي سنان الشيباني عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم، وأبو سنان اسمه ضرار بن مرة، وهو ثقة إلا أن المحفوظ ‏"‏ عن أبي إسحاق عن البراء ‏"‏ كذا اتفق الشيخان عليه من طريق شعبة ومن طريق إسرائيل، وأخرجه الترمذي وأحمد من رواية سفيان الثوري، والترمذي أيضا والنسائي وابن حبان من رواية سليمان التيمي، وأحمد أيضا من رواية زهير، والنسائي أيضا من رواية أبي بكر بن عياش، وأبو عوانة من طريق زكريا بن أبي زائدة ومسعر ثمانيتهم عن أبي إسحاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ادعوا فلانا‏)‏ كذا أبهمه إسرائيل في روايته وسماه غيره كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم‏)‏ كذا في رواية إسرائيل‏.‏

وفي رواية شعبة التي قبلها ‏"‏ دعا زيدا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم ‏"‏ فيجمع بأن معنى قوله جاء أنه قام من مقامه خلف النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء مواجهه فخاطبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزلت مكانها‏)‏ قال ابن التين‏:‏ يقال إن جبريل هبط ورجع قبل أن يجف القلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ لم يقتصر الراوي في الحال الثاني على ذكر الكلمة الزائدة وهي ‏(‏غير أولي الضرر‏)‏ فإن كان الوحي نزل بزيادة قوله‏:‏ ‏(‏غير أولي الضرر‏)‏ فقط فكأنه رأى إعادة الآية من أولها حتى يتصل الاستثناء بالمستثنى منه، وإن كان الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها فقد حكى الراوي صورة الحال‏.‏

قلت‏:‏ الأول أظهر، فإن في رواية سهل بن سعد ‏"‏ فأنزل الله غير أولي الضرر ‏"‏ وأوضح من ذلك رواية خارجة بن زيد عن أبيه ففيها‏:‏ ثم سرى عنه فقال‏:‏ اقرأ، فقرأت عليه ‏(‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين‏)‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏غير أولي الضرر‏)‏ وفي حديث الفلتان - بفتح الفاء واللام وبمثناة فوقانية - ابن عاصم في هذه القصة ‏"‏ قال فقال الأعمى‏:‏ ما ذنبنا‏؟‏ فأنزل الله، فقلنا له إنه يوحى إليه فخاف أن ينزل في أمره شيء، فجعل يقول‏:‏ أتوب إلى الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب أكتب ‏(‏غير أولي الضرر‏)‏ أخرجه البزار والطبراني وصححه ابن حبان، ووقع في غير هذا الحديث ما يؤيد الثاني وهو في حديث البراء بن عازب ‏"‏ فأنزلت هذه الآية‏:‏ حافظوا على الصلوات وصلاة العصر، فقرأناها ما شاء الله، ثم نزلت ‏(‏حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُوا فُلَانًا فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ أَوْ الْكَتِفُ فَقَالَ اكْتُبْ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَخَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحدثني إسحاق‏)‏ جزم أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وأبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ بأنه إسحاق بن منصور وكنت أظن أنه ابن راهويه لقوله ‏"‏ أخبرنا عبد الرزاق ‏"‏ ثم أريت في أصل النسفي ‏"‏ حدثني إسحاق حدثنا عبد الرزاق ‏"‏ فعرفت أنه ابن منصور، لأن ابن راهويه لا يقول في شيء من حديثه ‏"‏ حدثنا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ ح و حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عبد الكريم‏)‏ تقدم في غزوة بدر أنه الجزوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن مقسما مولى عبد الله بن الحارث أخبره‏)‏ أما مقسم فتقدم ذكره في غزوة بدر، وأما عبد الله بن الحارث فهو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، لأبيه ولجده صحبة وله هو رؤية، وكان يلقب ببة بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر‏)‏ كذا أورده مختصرا، وظن ابن التين أنه مغاير لحديثي سهل والبراء فقال‏:‏ القرآن ينزل في الشيء ويشتمل على ما في معناه، وقد أخرجه الترمذي من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج بهذا مثله، وزاد ‏"‏ لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم الأعميان‏:‏ يا رسول الله هل لنا رخصة‏؟‏ فنزلت ‏(‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة‏)‏ فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر ‏(‏وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه‏)‏ على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر، هكذا أورده سياقا واحدا، ومن قوله ‏"‏ درجة إلخ ‏"‏ مدرج في الخبر من كلام ابن جريج، بينه الطبري، فأخرج من طريق حجاج نحو ما أخرجه الترمذي إلى قوله ‏"‏ درجة ‏"‏ ووقع عنده ‏"‏ فقال عبد الله بن أم مكتوم وأبو أحمد بن جحش وهو الصواب في ابن جحش ‏"‏ فإن عبد الله أخوه، وأما هو فاسمه عبد بغير إضافة وهو مشهور بكنيته‏.‏

ثم أخرجه بالسند المذكور عن ابن جريج قال ‏"‏ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه، قال‏:‏ على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر ‏"‏ وحاصل تفسير ابن جريج أن المفضل عليه غير أولي الضرر، وأما أولو الضرر فملحقون في الفضل بأهل الجهاد إذا صدقت نياتهم كما تقدم في المغازي من حديث أنس ‏"‏ إن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم حسبهم العذر‏"‏‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد بقوله‏:‏ ‏(‏فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة‏)‏ أي من أولى الضرر وغيرهم، وقوله‏:‏ ‏(‏وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه‏)‏ أي على القاعدين من غير أولي الضرر، ولا ينافي ذلك الحديث المذكور عن أنس، ولا ما دلت عليه الآية من استواء أولي الضرر مع المجاهدين لأنها استثنت أولي الضرر من عدم الاستواء فأفهمت إدخالهم في الاستواء، إذ لا واسطة بين الاستواء وعدمه، لأن المراد منه استواؤهم في أصل الثواب لا في المضاعفة لأنها تتعلق بالفعل‏.‏

ويحتمل أن يلتحق بالجهاد في ذلك سائر الأعمال الصالحة‏.‏

وفي أحاديث الباب من الفوائد أيضا اتخاذ الكاتب، وتقريبه، وتقييد العلم بالكتابة‏.‏

*3*باب إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى ‏"‏ فتهاجروا فيها ‏"‏ وليس عند الجميع لفظ ‏"‏ باب‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْأَسْوَدِ قَالَ قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى بِهِ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حيوة‏)‏ بفتح المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو وهو ابن شريح المصري يكنى أبا زرعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وغيره‏)‏ هو ابن لهيعة أخرجه الطبري، وقد أخرجه إسحاق بن راهويه عن المقرئ عن حيوة وحده، وكذا أخرجه النسائي عن زكريا بن يحيى عن إسحاق، والإسماعيلي من طريق يوسف بن موسى عن المقرئ كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالا حدثنا محمد بن عبد الرحمن‏)‏ هو أبو الأسود الأسدي يتيم عروة بن الزبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قطع‏)‏ بضم أوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعث‏)‏ أي جيش، والمعنى أنهم ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام، وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاكتتبت‏)‏ بضم المثناة الأولى وكسر الثانية بعدها موحدة ساكنة على البناء للمجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين‏)‏ سمي منهم في رواية أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أمية بن سفيان وعلي بن أمية بن خلف، وذكر في شأنهم أنهم خرجوا إلى بدر، فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا غر هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر، أخرجه ابن مردويه‏.‏

ولابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عكرمة نحوه وذكر فيهم الحارث بن زمعة بن الأسود والعاص بن منبه بن الحجاج وكذا ذكرهما ابن إسحاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرمى به‏)‏ بضم أوله على البناء المجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله‏)‏ هكذا جاء في سبب نزولها‏.‏

وفي رواية عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس عند ابن المنذر والطبري، ‏"‏ كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يخفون الإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت، فكتبوا بها إلى من بقي بمكة منهم وأنهم لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون ففتنوهم فرجعوا فنزلت ‏(‏ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله‏)‏ فكتب إليهم المسلمون بذلك فحزنوا، فنزلت ‏(‏ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا‏)‏ الآية، فكتبوا إليهم بذلك، فخرجوا فلحقوهم، فنجا من نجا وقتل من قتل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه الليث عن أبي الأسود‏)‏ وصله الإسماعيلي والطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من طريق أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن أبي الأسود عن عكرمة فذكره بدون قصة أبي الأسود، قال الطبراني‏:‏ لم يروه عن أبي الأسود إلا الليث وابن لهيعة‏.‏

قلت‏:‏ ورواية البخاري من طريق حيوة ترد على، ورواية ابن لهيعة أخرجها ابن أبي حاتم أيضا، وفي هذه القصة دلالة على براءة عكرمة مما ينسب إليه من رأى الخوارج لأنه بالغ في النهي عن قتال المسلمين وتكثير سواد من يقاتلهم‏.‏

وغرض عكرمة أن الله ذم من كثر سواد المشركين مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم، قال فكذلك أنت لا تكثر سواد هذا الجيش وإن كنت لا تريد موافقتهم لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله، وقوله‏:‏ ‏(‏فيم كنتم‏)‏ سؤال توبيخ وتقريع، واستنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية‏.‏